العلاقات الدولية من منظور الرئيس ترامب

لم يترك الرئيس الاميريكي دونالد ترامب أية نظرية في العلاقات الدولية الا وعمل بها فور دخوله البيت الأبيض. من الواقعية السياسية إلى الواقعية السياسية الجديدة ، مرورا بنظرية المنفعة أو المنفعية ،وصولا إلى الديبلوماسية الخضراء أو بواسطة المبعوثين من وزراء وامنيين التي يهادن بها الروس وكوريا الشمالية ،الى الضغط على أوروبا ومطالبتها بزيادة مساهمتها بنسبة ٥٪من ناتجها المحلي بميزانية الدفاع لحلف الناتو ناهيك عن التوسع وضم دول والسيطرة على ممرات بحرية مهمة.
ولكنه نسي نظرية توازن القوى أو موازينها والأهم أنه رمى بالامم المتحدة وشرعتها والاستقلال السياسي للدول وحق الشعوب في تقرير مصيرها وسط ذهول الأمم ،الى هامش التاريخ.
بعد شنه حربه التجارية على الاتحاد الأوروبي والصين وكندا وكولومبيا والمكسيك ، قام الرئيس ترامب بوضع أكثر من أربعين دولة وأكثر من ثلاثة مليارات انسان في صراع ناعم مع جبروته إذ لم نقل بمواجهة مصيرية ضد الصين ودول الاتحاد الأوروبي ومصر والأردن والدول الإسلامية الكبيرة والصغيرة التي لا تقبل بقتل فلسطين بشعبها في غزة والضفة وتهجيرهم مرارا من أرضهم مثلما فعل رعاة البقر بالشعب الهندي الاميريكي بغض النظر عن قصر نظر محور الممانعة وسياسته التراجعية والتي لم تستطع مجاراة التكنولوجيا والقوة العسكرية المتقدمة والذي تبين لاحقا أن الحرب كانت ستحصل في يوم من الايام نظرا للقوى الموجودة المتناقصة الأهداف والوسائل على المسرح ، والذي سرعت إسناد غزة بحصولها.
اما بالنسبة إلى الوضع في لبنان وسوريا ،فان الدولة الإسرائيلية تحظى بدعم غير مسبوق من الإدارة الاميريكية الجديدة ، مما يجعل تمادي حكومة بنيامين نتانياهو في فرض إرادتها على لبنان وسوريا وان خرق جدار الصوت امس فوق العاصمة بيروت والبقاع هو رسالة أن جيشها سيظل يقوم بالتعدي والهجوم وإعادة الحرب اذا اقتضى ذلك للحكومة حفاظا على تماسكها. يبقى أن في لبنان ، يزداد احراج الحكومة الجديدة من قبل بعض الأحزاب بالضغط عليها وتحميلها مسؤولية انهيار الردع الممانع في ظل اقتصاد متعثر وبنى تحتية مهترئة ودمار مروع في الجنوب خاصة مما يجعلها اي الحكومة عرضة لصخب الشارع واعتراض واهتزاز السلم الأهلي. ولكن الى متى يصبر الشعب على تهجيره من أرضه وتدمير منازله وقراه ومنعه من تأمين المساعدة ولو من أي مصدر كان.
الحكومة اللبنانية تنتظر أموال الخارج وهي تبعث برسائل عبر وزراء جدد لاستقطاب الاستثمار وإعادة الثقة بلبنان وبدولته ، وعليها القيام بإصلاحات كبيرة وعديدة واعمار غزة وسوريا يسابق وعود الأشقاء والأصدقاء بالدعم والمساعدة والإعمار والبناء .
ليس المطلوب الان من العين أن تقاوم المخرز والعين اصلا بها عمى ، بل المطلوب التوحد والوحدة خلف رئيس الجمهورية والحكومة الجديدة حتى ولو لم تكن على طموحات البعض وخاصة الذين كانوا يستاثرون بالسلطة واوصلوا لبنان الى ما وصل إليه بعد حسابات خاطئة وسياسات لا تخدم المجال الحيوي اللبناني وفساد أحزاب السلطة، وبالرغم من وجود الكيان اللبناني برمته بين أيدي اللجنة الخماسية واتفاق وقف الأعمال العدائية.
ولكن المطالبة بخروج العدو من أرض الجنوب هو مطلب حق ومطلب وطني لبناني شعبي ورسمي ولا احد يقبل بمراوحة الاحتلال على تلال لبنانية جغرافيتها متجذرة في روح وضمير اللبنانيين الجنوبيين . والخطير هنا أن الحق ضاع والأمم تسير على وقع الامن والمصلحة الاميريكية التي تسعى إلى حماية وزيادة قوتها العسكرية من توفير الأموال التي تنفقها للدفاع عن كندا وعن أوروبا وأوكرانيا دون مقابل، لدرء الخطر من المحيطين اي الأطلسي والباسيفيكي وفقا لقراءتها، ولا تعتقد أن الخلل العالمي الذي أصاب نظامه ممكن أن يتسبب لها بمشاكل وصدام ومقاومة من دول العالم.
السبب أن كثير من الأمن والأمان لأي دولة ، سوف يربك الدول الأعداء والاخصام وتسعى هذه الاخيرة لزيادة أمنها بالسباق إلى التسلح وزيادة قوتها العسكرية وتصبح مهددة للدولة القوية التي لديها أمن وامان فائض.
على اللبنانيين وخاصة أصحاب الأرض والتضحيات الجسام أن يقوموا بالحفاظ على الوطن والهوية ويجذبوا الجميع إلى ملعب الدولة ،الدولة وحدها القادرة على ردم الهوة بين المطلوب والمستطاع، حتى ولو عربد حكام العالم بوحشية وتسلط واسترجعوا مقولة السلام الروماني الذي أخضع شعوب العالم حينها بقوة السيف والحراب.
أن الثورة بالنسبة للشعوب هي مثل الرياح التي تحرك المياه والمستنقعات لكي لا تصبح راكدة.
ان السلام بالقوة العسكرية والاقتصادية الذي يفرض على الدول والأمم سيعيد العالم إلى منطق الاسكندرو يوليوس قيصر وداريوس ونبوخذنصر وهنيبعل القرطاجي واخيرا جانكيزخان.
امبراطوريات تتهاوى وأخرى تصمد وتزيد من توسعها وهناك امبراطوريات كبيرة سوف تقاوم لأن مصير شعوبها بين أيدي الغريب والقوي.
العميد المتقاعد نقولا رعيدي

Categories: دراسات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *